تحليق مضاد لأحزمة الأمان

صورة

 

هل تساءلت يوما عن سر حزنك؟

بالطبع قد فعلت -ياله من سؤال-!

حسنا

 أنا من هؤلاء الذين تدق أجراس إنذار عقولهم، إذا ظبطوا حواسهم متلبسة بجرم السعادة، ولو للحظات مجهولة السبب!

من هؤلاء الذين يصيبهم الخدر حين تتورم أذهانهم بحثا عن المعنى

فقط لتبدأ من جديد..دورة سيزيف العنقائية فى مدارات فكرهم!

هل عرفت للسعادة معنى؟ مسببات غير وقتية؟

-طرق حكيمة -لا تعرف من أين اكتسبتها 

للحفاظ على ذلك السراب من التلاشى؟

هل جربت الكف عن البحث يوما..فأتتك تطير على استحياء مستجدية إياك أن تحياها؟أم أن الأمور لا تسير هكذا؟

هل وجدت مبررا منطقيا ..معقولا،لذلك الحزن السرمدى الدفين بأعماق محيطاتك،علما بأنك قد “أدركت” سلفا ماهية الحياة

وحقيقتها

وسخافتها؟

ربما كانت “الكتابة” كافية بالنسبة لى كأحد المبررات

أن تكتسب القليل من الوهم بأنه ثمة مغزى وفائدة لحزنك..ثمة إنجاز من أى نوع،لهو أمر لا يضر مطلقا!

كمخدر تعلم يقينه بأن جرعته الزائدة هى القاتلة

لكن الفرق أنك..ميت سلفا!

بالأمس رأيت طفلا يلتصق بزجاج نافذة السيارة،هناك فى المقعد الخلفى منسيا من خلافات والديه الدائرة بالأمام

هالنى أنه لا ينظر للعالم الخارجى مبتهجا بضوضاءه وألوانه اللعينة

لكنه فقط ينظر عبر الزجاج كأنما لا يراه

كأنما يبث فى النافذة -صديقتنا المشتركة- أسرار إدراكه المبكر لماهية عالمنا!

أن تتعرف إلى “إدراكك” منعكسا فى عينى طفل..
يترقرق كبحيرة
ما من خيبة أمل أكثر على وجه الكوكب !

تلتفت إليه أمه قائلة شيئا ما،وتشير إلى حزام الأمان المفكوك خاصته

يتأمله لبرهة قبل أن يرميه باحتقار ناظرا إلى السماء

وحين سقطت أولى القطرات

أنزل زجاج سيارته بسرعة جنونية،وكذا فعلت

وارتسمت الطفولة على قناعه المتجمد فجأة،وقد خرج بنصف جذعه من السيارة المتحركة 

محلقا بكلتى ذراعيه اللتان تحتضنان الفراغ..والسماء..والكثير من المطر

غير آبه بالمعركة الدائرة بالداخل

لم أتذكر هذا الآن؟

لا أعرف

سوى ذلك الإحساس الذى انتابنى..بأن صمته لم يكن سوى صلاة

صلاة طويلة 

لأجل المطر

أذكر ذلك أيضا

لأنه رفض ارتداء الحزام..

لأنه طار فورا

بينما تجمدت

تماما كما تتجمد عقارب ساعتى حين أدير وجهى للعالم

لأتأمل الجدار

 

حفصة

أهزوجة المستحيل

 

لو أنك كففت عن حبك المتأصل لإيذاء ذاتك…… 

عن انزعاج عينيك من النور وبحثهما الغريب عن الظلام…….

عن حنينك الدائم لصوت المطر وأنت وحيد سوي من ارتجافتك خلف النوافذ المبلله..

عن نفورك التلقائي من أقطاب المغناطيس الأخري،حتي تلك المخالفة لك في الشحنة!

عن اختيارك العنيد لأكثر الطرق وعورة…..

وهروبك الأبدي من الضجيج حتي لو أنه الابن الشرعي للحياة!

عن تلك الضراوة البائسه التي لا توجهها سوي إلي قلبك!

وتلك الصفعات المتكررة التي يتلقاها الطفل بداخلك ….

وتلك السذاجة القاتلة تجاه عالم لا يمزح……

عن نفاذ صبرك الأليم من كل تلك السخافات الملازمة للحياه….

ومقتك للربيع المتهور، وانجذابك اللامبرر للخريف الساكن..

وترفعك الغريب عن البهجة المشاعة للجميع فى مرحلة ما من عمرهم..
وممارستك الجاهلية لوأد أحاسيسك ..

عن رقصتك التى لا تنتهى مع الذئاب،على أنغام التوحد الأبدى..

وصداقتك الفريدة لأبطال رواياتك..

ولعب دور سيزيف بتلك المهارة المتقنة….

لو أنك -يا صديقي -كففت ولو لبعض الوقت عن مشاهدة الحياة من مقاعد المتفرجين!

لو أنك فقط.أحيانا.لست أنت!

أكانت الأمور لتكن بهذا السوء؟

حفصة

المستحيل

أبحث عن المستحيل..
لأنه قد ولّى أوان الحب كما خلق ليكون..
لأنه لم تعد ثمة زهور ينتشلنا سحرها من عتمة الواقع..
لأن كوكبنا قد صارع كل شئ حتى انتهى به الأمر تصارع ذراته بعضها بعضا!
لأن حواسنا صارت مرهقة..اعتصرتها قبضة الخذلان ونفاق الوجود وخدر الصدمات..
لأننا متى صادفنا وليد الحب المرتجف فى إحدى ممرات الزمن،سنسلك دربا آخر لئلا نقع بهاوية أخرى…فحواف الهاويات تبدو دوما ساحرة،لكنها لا تخبرك متى عليك أن تتوقف!
أدعوكَ المستحيل..
لأننى لم أعد “ليلى”..ولم أبتلع سذاجة “جولييت”..
لأن المناضلين بحق قد اندثروا..
ولأن “حسين عامر” لم يكن سوى بطل رواية…
منذ البدء كان أجمل من أن يصبح حقيقة؛
تماما كسائر الأحلام!

حفصة