درب من مروا إلى السماء..آيات

كم كنتِ جميلة..خارقة الجمال..

لا أدرى كيف جذبتنى ملامحك بالغة الرقة والإباء فى آن واحد..وكيف دفعت بى إلى مطالعة صفحة الجريدة الكاملة التى أعلنت خبر استشهادك ووضعت صورتك جنبا إلى جنب مع الشهيدة وفاء إدريس..

كنت فى الثانية عشر ولا تعجبنى كثيرا نشرات الأخبار وصفحات الجرائد التى لا أرى من خلالها سوى وجه العالم الدامى..

لكن وجهك الذى فاجئنى بطمأنينته الساحرة..حدثنى بأنه آت من عالم آخر..لا يعبأ كثيرا بتلك الحياة المتقلبة ..ولا بذلك الواقع الساخر..

آيات الأخرس..

حتى اسمك كان مثيرا للاهتمام..

وكلما أمضيت سطرا فى قراءتك..أدركت سر جاذبيتك

فقد كنت تنتمين إلى كوكب البشر الخارقين للعادة!

أولئك الذين عبروا بوابة المخاوف الإنسانية ..إلى بعد موازى لا يعترف بالجبن والأنا البشرية..

كوكب آخر أسس دعائمه “يحيى عياش” ..وسبقتك إليه “وفاء إدريس”،وكل اولئك..الذين لا يعرفون للهزيمة سبيلا..

علمت أنك ما زلت صغيرة..كنت تدرسين بالثانوية ..وكنت أيضا على وشك الزواج من “شادى” الذى انتظرك عاما ونصف..تفصلك عن عرسك أشهر قليلة..

علمت أنكما خططتما لكل شئ..حتى اسم ابنكما الأول”عدى” الذى قضيتما الساعات فى تخيل مستقبله وأحلامه..بابتسامة صافية على شفتيك..ونظرة أمل فى عينيه

إلا أنك اخترت عرسا آخر.. فى السماء..، ولم تتنازلى عن الحياة الدائمة بأحد قصور الجنة..

وحين ودعتيه فى الرسالة الأخيرة..تمنيت أن تكونا معا فى الجنة..

…………………

حتى هو..دائما ما كانت تقطع احلامه هواجس الاستشهاد حين يرى عينيك تلمعان ويسمع نبضك المتلاحق وحماسة صوتك الزائدة وأنت تتحدثين عن الشهداء من جيرانك وزميلاتك وأقاربك.. أولئك الذين قمت بتجميع كل صورهم..

لكنه سرعان ما كان ينفى هذا الخاطر .. حين تتعاونان معا فى وضع اللمسات النهائية للبيت الصغير..

وحين أتاه الخبر..لم يغضب منك..وكان حزنه الوحيد أنه لم يرافقك حلم البطولة..ولم تشهدا معا عرسكما فى حضرة الملأ الأعلى..

…….

أتعلمين كم كانت أمك تفخر بك حين ترددين مقولتك الأثيرة

“ما فائدة الحياة إذا كان الموت يلاحقنا من كل جانب؟ سنذهب له قبل أن يأتينا, وننتقم لأنفسنا قبل أن نموت”

رغم مشاعرالقلق الأمومى بقلبها..كانت تستشعر فخرا كبيرا..

ذلك الذى دفعها لاستقبال التهانى لا التعازى ، وسماع الزغاريد لا العويل..

فكلهم يا “آيات” يعلم مكانك الآن..ذلك الذى استحققته بجدارة..

هم أيضا..تمنوا حضور العرس..

…………………

صديقتى التى لم أعرف عنها سوى قصة بطولتها..وعالم ابتسامتها..

كيف تراك شعرت..وأنت تسيرين وحدك إلى موعدك الأخير على ظهر عالمنا الموحش؟

بعد أن ودعت شقيقتك الصغرى”سماح”

وطلبت منها الدعاء بالتوفيق..وسألتها إن كانت ترغب منك إيصال السلام لأحد..،فردت عليك مشاغبة:سلمي لى على الشهيدين محمود و سائد..

كانت تداعبك لأنها لم تتخيل كم أنت موشكة على تحقيق ذلك الحلم الذى يراود كل شباب وطنكم..

تداعبك لأنها لم تفطن إلى نظرة الوداع الأخيرة بعينيك..

كأنما كنت تلقين السلام الأخير على حبات الطين بالمخيم..وأغصان الزيتون ..والحمام الحر بالأجواء..

لأنها لم تعلم كيف تخطيت كل عقبة أمنية حتى وصلت بعزيمتك وإخلاصك إلى أعلى مستويات كتائب شهداء الأقصى..

داعبتك لأنها..ربما..لم تود تصديق انك تودعينها حقا..

………………………..

نجحت عمليتك فى فعل اشياء كثيرة..

فقد أثبتت للعرب مرة أخرى كيف يمكن للمرأة أن تلعب دور البطولة..فعلتها قبلك وفاء،وأخجلتما الجميع فى أوحال تشدقهم الزائف بالفروسية التى لا تقوم سوى بالطأطأة لإرهاب ومجازر الصهاينة!

فعلتها وأكدت للعالم معنى جديدا هو “الشهادة”،تفشل القواميس دوما فى تعريفه،وتخلطه أمريكا بالإرهاب عمدا وتضليلا..

وإلا فماذا تعنى المجازر التالية فى تاريخ الإنسانية:

 

صابرا وشاتيلا

دير ياسين

أم الفحم

بلد الشيخ

بحر البقر

الجولان

مجازر ساحة الأقصى

الحرم الإبراهيمى

قانا

يافا

حيفا

جنين

محمد الدرة

إيمان حجو

أحمد ياسين

أ………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………………… إلخ……………….

لعلك فهمت الآن سبب قيامى بقص صورتك أنت و وفاء والاحتفاظ بها إلى الآن

أو تعلمين؟ رغم انها أوشكت أن تهترئ..إلا أن قوتها المستمده من ابتساماتكما الواثقة..تضفى عليها سحرا خاصا إلى يومنا هذا

ايات

انها الذكرى العاشر لعرسك..

هنيئا لك

وتقبلى اعتذاراتنا ..وخذلاننا..

فعما قريب

سننهض حتما

 

“حفصة”

 

شكرا لرأيك :)